عـودة الإبـن الضال

عـودة الإبـن الضال
أحمد سلامة التهامي
أيسك.. القاهرة خريف 1976 ، تم تحرير جزء من الأرض المحتلة ، و بشائر السلام و الرخاء ينتظرها الشعب المصري بعد نهاية الحرب ، خاصمنا الحليف السوفيتي و صادقنا الأمريكي ، يعرض التلفزيون المصري “العربي سابقا” مسلسلات و منوعات أمريكيه ، ملاعب الكره المصريه يتسيدها النادي الأهلي بقياده هيدي كوتي و جيل الساحر محمود الخطيب ،حفل عبدالحليم حافظ الذي سيكون الأخير.
و يوسف شاهين مع صلاح جاهين يصدران فيلم وصف من قبلهم بأنه (مأساة موسيقية) ، مراهقة لبنانية يقولون عنها امتداد لفيروز و ابن صالح سليم الذي ورث جاذبية أبيه أتوا بهم من لبطولة هذا الفيلم ،و لأن الفيلم انتاج مشترك مع الجزائر فلابد من وجود ممثل جزائري، و بإسم مستوحي من الكتاب المقدس، صدرفيلم عودة الإبن الضال.
فخلال سنوات ما بعد نكسة يونيو 1967 تقع أحداث الفيلم ، تلك الفتره التي هزت وجدان المصريين و أدت لفـقدان الثقة إتجاه بلدهم و قائدهم و أنفسهم من قبل ، و وئد أحلامهم التي عاشوها و حلموا بها بعد الثوره إلى أن أفاقوا على صدمة الهزيمة .
و تدورالأحداث حول أسرة المدبولي الأب”محمود المليجي “الذي لاحول له ولا قوة يعيش على أطلال الماضي الذي عاشه بباريس تجنباً لمواجهة حاضره ، و خضوعه وخنوعه لزوجته وللأبنه الأكبر ،الأم “هدى سلطان” التي تسيطر على الزوج و تدعم الإبن الأكبر في كل ما يفعل للحفاظ على ثروة الأسره بعد أن بددها الأب سواء على ملذاته بباريس أو مشاريعه الفاشله في تعمير الصحراء،الإبن الأكبر طلبه “شكري سرحان” و الذي كان يدرس فى الكلية الحربية،
و يتركها تحت إلحاح الأم ليتولى رعاية مصالح الأسرة، بعد ان زوجته على غير رغبته، من إبنة أختها عائشة، صاحبة الأرض والثروة، ليديرهما بنفسه حتى تؤول ثروة إبنة أختها الى عائلة المدبولى، واستطاع طلبه الهيمنة على الثروة وتنميتها، بظلمه وإستغلاله للفلاحين، وتمكن من شراء المعصرة ، بثمن بخس، بعد أن إضطر صاحبها الأجنبي للهروب من مصر، وكذلك إفتتح سينما ومقهى وناديا رياضيا، ليصبح المهيمن على وسائل الإنتاج وأيضا يمتلك وسائل الترفيه فى القرية،والذي يمثل قبح و قسوة و شراسة الرأسمالية و انتهازيتها ، حيث يسيطر على أموال اسرتة و يستغل العمال في المعصرة و السينيما التي يمتلكهما ، حتى أنه يستغل البلد نفسها من خلال عقود توريد الجيش الذي حاول يستغل علاقاته بالقيادات الذين سبق و أن زاملهم في الكلية الحربية قبل تركه لها ، حتى أنه بعد إنتحار زوجتة ، يسعى للزواج من أختها الثانية الأصغر فاطمة “سهير المرشدى” التى آلت إليها ثروة أختها، حتى لا يفقد الأرض أوالثروة، ولكن فاطمة والتى أحبها طلبه وقام بالإستيلاء على جسدها و مالها، كانت تحب الإبن الأصغر علي “أحمد محرز” اليساري الذي غاب عنهم لعدة سنوات و انتظر الجميع عودته ليخلصهم من كل معاناتهم ، حبيبته السابقة فاطمة ، العمال بالمعصرة و رئيسهم صديقه السابق حسونه ” سيد علي كويرات” و الذين ينتظرون عودة علي لرفع الظلم .
وأيضا إبراهيم إبن أخيه هشام سليم” ينتظرعودته لمساعدته في السفر إلى الخارج و دراسة الفضاء كمثله الأعلى الدكتور فاروق الباز، أو لكي يبارك ارتباطه بإبنة رئيس عمال المعصرة و زميلة دراسته تفيدة ” ماجدة الرومي” . لكن تمثل عودة علي صدمة لكل من انتظره ، فغيابة كان لأنه زج به فالسجن ظلما وبعد فترة من سجنة قدم إلتماس للزعيم جمال عبدالناصر، لإعادة التحقيق، وعندما ثبتت برائته، تم الإفراج عنه في يوم جنازة الزعيم عبدالناصر.
خرج من السجن في حالة من اللامبالاة و الخنوع و اليأس و الانهزام ، فيستسلم لأخيه طلبه و ينصاع له ، ويحبط العمال من جهة و ابراهيم ابن أخيه و فاطمة حبيبته.و ينسحب إلى غرفته تاركا لأمة
إدارة حياته هو شخصيا و التي تسعى لإتمام زواجه من فاطمة ، لتأتي نهاية الفيلم يوم الزفاف حيث ، يعلم علي باغتصاب طلبه لفاطمه و التي تقرر الإنتقام من عائلة المدبولي بمشهد إطلاق النار و نهاية العائلة ،حيث يقوم علي بإطلاق النار على أخيه طلبه، فيصيب أمه رتيبة فيقتلها، ويقوم طلبه بقتل على، وتقوم فاطمه بطعن طلبه لتقضي عليه ، و لاينجو سوى الجد و الذي يقوم بإرسال حفيده و صديقته للدراسه بعيدا عن القريه .
يستعرض الفيلم وجود عدة أجيال متباينة ،حيث يمثل الجيل الذي تسبب في الهزيمة “طلبة” و الجيل الذي سيزيل آثار الهزيمة “إبراهيم”و تفيده.
استخدام الموسيقى و الأغاني و الإستعراض بكلمات صلاح جاهين و ألحان سيد مكاوي و كمال الطويل أدى بتلخيص الأحداث و ايصالها للمشاهد كإستعراض الساعه ، أو أغنية آدي القدر في نهاية أحداث الفيلم .
ينجح يوسف شاهين دائما في الحصول على الأداء الذي يريده من الممثلين و الذي يريد في أن يصل للمشاهد و قد تجلت بوضوح في جمود شخصية الإبن الضال الذي عاد منكسرا ومهزوم ،
أداء مبدع لشخصية طلبة بجشعها للمال و الثراء و شراهتها للملذات و السلطه الانتقام من اسرته السابق لها تغيير مصيره بأن يحصل على كل الثروه.
يعرض الفيلم فكرة الزمن و أخطاء الماضي”أسرة مدبولي “التي تؤثر على الحاضر والمستقبل.
رمزية وجود الزعيم جمال عبدالناصر في أحداث الفيلم فخروج علي من السجن كان بعد خطاب إلى الرئيس عبدالناصر ثم مشهد جنازته بعد الإفراج عن علي ، و وجود قوات الجيش و بناء و تحريك حائط الصواريخ.
صراع الرأسمالية والاشتراكية ” حسب توقيت عرض الفيلم ” متمثلاً في طلبه و علي و نهايته بمقتلهما بمعنى أدق فشل كلاهما .
مشهد النهاية بخروج جيل المستقبل إبراهيم و تفيدة من القرية مع بزوغ فجر يوم جديد متمثلاً في المستقبل الجديد وجيل الإنتصار.
و بنهاية الأحداث نجد أنفسنا أمام سؤال مهم و هو من الذي ضل ؟
هل جيل الآباء هو الذي ضل أم جيل الأبناء؟ ، هل ضل الأب أم ضل الإبن ؟
